الخميس، 27 نوفمبر 2008

زهور البنفسج
ــــــــــــــــــــــــــ

في الصباح ..
حال الصيف دائما.. شمس ساطعة.. قيظ شديد.. لا نسمات رقيقة لتُلطف من حرارة الشمس الملتهبة.. يحمل دلوه الممتليء بالماء والصابون .. يبدأ في غسيل سيارته.. يفتح الأبواب فيغمر ماء البحر السيارة.. يترك كل شيء ويذهب ليشارك أسرته الجلوس أمام الشاطيء..
في المساء..
أخيرا تملأ نسمات الهواء المكان.. انتصار ما على حرارة الشمس والرطوبة الخانقة.. ونزهة صيفية منعشة تبدأ عند كوبري ستانلي وتنتهي بلقاء ساحر تنسجه نسمات البحر مع أغنية رقيقة لأم كلثوم.. يذوب مع الأنغام.. ويغوص بعيدا في أعماق البحر..

في صباح اليوم التالي..
نسمات باردة نوعا ما.. أوراق الشجر المتساقط غطت أجزاءً كبيرة من سطح السيارة.. حال الخريف في كل عام .. يحمل دلوه الممتليء بالماء والصابون.. يزيح الأوراق أرضا.. ينهمك في غسيل سيارته.. يلمعها بتمعن.. وينصرف..
في المساء..
يشاهد العاشرة مساءً.. ينكمش في مكانه.. تخترقه برودة الجدران.. يغلق التلفاز.. يحملق في اللاشيء..

في صباح اليوم التالي..
يوم شتوي جديد.. البرد قارس.. والأمطار تنهمر في كل مكان.. بقع الطين تلطخ سطح السيارة الرابضة أسفل الشجرة الكبيرة.. يحمل دلوه الممتليء بالماء والصابون .. يبدأ في غسيل سيارته.. الأمطار تتزايد والصابون أيضا يتزايد.. وكلما انتهى من جزء لطخته الأمطار ثانية..
في المساء..
تلاوات قرآنية تنبعث من داخل شقته.. البعض يبكي والبعض يرى أنه قد استراح أخيرا من صراعه المرير مع المرض.. ينصرف الجميع.. يُغلِق الباب وينظر له.. يرفع يديه ويدعو له طويلا.. ينهار فوق أقرب كرسي.. يمد ذراعيه ليحتضنه.. تبلل دموعه الصورة وشريطها الأسود..

في صباح اليوم التالي..
الجو صحو وجميل.. الأزهار تزين الأشجار في تصميم بديع وفريد.. الطيور المغردة تملأ المكان.. النسمات الرقيقة تداعب وجه بدلال.. حال الربيع من كل عام.. يحمل دلوه الممتليء بالماء والصابون ويبدأ في غسيل سيارته.. بعد قليل ينتهي من تلميعها.. وينصرف.
في المساء..
حفلة رقيقة ممتعة.. نظرات الإعجاب تتجه صوبه وهو يتقلد وساما رفيعا في الفيزياء.. تغمره السعادة وهو يتأمل زهور البنفسج المقدمة له.. يفتح ذراعية محييا الحضور.. يبتسم ويحتضن الحياة..


الجمعة، 7 نوفمبر 2008

الحدود الفاصلة بين الحياة والحياة

( 1 )
سُحُب في عيون منسية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بين أربعة جدران يعلوهم سقفا لا تعترف الأمطار كثيرا بوجوده ... وضوء خافت ينعكس على تلك الجدران المتأكلة.. استقبلتني الحياة.. كنت أول ضيوف هذه الحجرة الصغيرة.. وأول وليد لأسرة من بين الآف تحارب كي تجد لنفسها ما يسد رمق يومها.. وتفتحت عيناي فلم تدرك من الحياة سوى تلك الحجرة خافتة الأضواء وممر طويل مظلم أغلب الأحوال.. فنادرا ما كنا نجد ما يكفي لشراء لمبة جديدة له تكمل دور سابقتها المحترقة.. وفي نهاية الممر باب خشبي تأكل هو أيضا ولكنه ما زال كافيا لحمايتنا من عواصف الحياة..

وكانت أمي تصطحبني معها إلى مكان عملها.. بجوار إحدى المدارس الثانوية حيث كانت تفترش جزءا من الرصيف لتشوي الذرة وتبيعه.. وفي الصيف كنا ننتقل إلى الكورنيش حيث يلقى الذرة رواجا في أمسيات الصيف الممتزجة بنسمات النيل العليلة.. كان النسيم يخفف كثيرا من وهج النار عن أمي ولكنها دوما ما كانت تخبرني أن ابتسامتي هي التي تخفف عنها كل أعباء الحياة..

كان شظف العيش يلازمنا وكثيرا ما كان يبيت بجوارنا ويفترش وسادتنا كأسد كاسر.. وعلى الرغم من ذلك لم أكن أرى سوى اصرارا وقوة من والدتي .. قوة شعرت بها وأنا أتركها لأول مرة في حياتي.. لأودعها على باب مدرستي الصغيرة بدون أن أبكي كشأن كثير من الصغار في يومهم الدراسي الأول..

وقدر حبها لي .. انطلقت بي الحياة في مصاف الدراسة شتاءً وهم التجول بين زائري الكورنيش صيفا .. أحمل لهم الذرة المشوي أو أكواب الشاي بعد أن اتسع نشاطنا ليشمل ذاك الأخير.. ولم أكن أعبأ كثيرا لنظرات الاحتقار من بعض زميلاتي في الفصل إن رفعت عَيني فوجدت إحداهن بجوار والدها تلهو أو تقبله فرحة وهو يعطيها الذرة المشوي.. وما أن تقع عينيها على شخصي حتى تمتليء بنظرات لا تجد النفس جهدا في تقدير كم ما تحويه من احتقار.. ولكن الحياة تمضي.. والدتي علمتني ذلك.. وعلمتني أيضا أن الحياة لا تأخذ منا أكثر مما نرتضيه نحن.. وأن كل شيء يضيف للمرء شرفا لا ينتقص يوما من قدره..

كنت لا أفهم كلماتها كثيرا وأنا صغيرة ولكن ابتسامتها كانت كفيلة بمنحي قوة كبيرة على الاستمرار.. وعلى الترفع عن كل نظرات الاحتقار.. وعلى إدارة ظهري للجميع وأنا أعدو فرحة بما جنيته من مال كي أضعه بين يدي أمي.. وأحظى بحضن كبير أو قبلة حنونة.. كانت أمي حنون.. وكثيرا ما كانت تربت على ظهري وهي تحثني على الاستذكار أكثر وأكثر.. وكثيرا ما كانت تردد حكما مما أثقلتها به الحياة .. وكثيرا ما كنت أعجب من تلك الابتسامة الراضية التي ترتسم فوق وجهها دوما وهي تقص على مسامعي حدوتة كل مساء وأنا أترك نفسي لأذوب في حضنها الدافيء ويدها تمسح بحنان على رأسي حتى أنام..

كان كل شيئا جميلا على الرغم من قسوة الحياة.. وكنت أمرق كسهم نافذ في دراستي وأُحَصِل منها أكثر مما تتطلبه مناهجها الدراسية.. وكنت شغوفة بالقراءة.. ولعل أقاصيص أمي هي ما أنبتت بداخلي بذرة هذا النهم الشديد بها.. ولا أذكر أنني حينما التحقت بالصف الخامس.. إن أي أقصوصة صغيرة من أي جريدة كان من الممكن ان تمر من بين يدي بدون أن أقرأها جيدا.. وكنت أقص على والدتي كل ما أقرأ.. وكنا سعداء ونحن نتبادل الأدوار.. هي سعيدة بما ألقيه على مسامعها وأنا أكثر سعادة لشعوري أنني قد أمنح أمي يوما قدرا من السعادة وأن أبادلها قدرا يسيرا من العطاء..

وكنت أتمنى لو ملكت كنوز العالم لأضعها بين يديها.. ولكن لم أكن أملك سوى قلب صغير يمتليء لها بكل الحب.. والامتنان لسيدة قاومت كل ظروف الحياة من أجلي.. لم تتركني يوما كما فعل والدي وهرب بعيدا بلا سبب تدركه حواس عقلي الصغير.. حقا كان كل عالمي الصغير يبدأ منها وينتهي لديها.. حتى أحلامي.. كنت أستمدها منها.. وكانت تحلم يوما بأن تراني وأنا أحمل فوق ذراعي المعطف الأبيض.. أو أمسك بيدي كتابا أشرح ما فيه لأبني منه عقولا مفكرة.. أرسم فيها كل شيء من شأنه أن يصنع منهم يوما شخصيات ناجحة.. وكانت تنصحني دوما بأن أملأ حياتي بالحب.. وأن أجعل فيها دوما مكانا أساسيا له.. يُعطيه الأولوية في تعاملاتي مع الجميع..

ما أقسى حقا تلك النظرات التي تنطلق كوحش مارد من عيني هذا الحارس.. هذا ما تكون لدي وأنا أحدق في وجهه وأفيق من شرودي على كلماته المجحفة وهو ينهرني طالبا مني الابتعاد عن المكان.. وأن أخذ معي حاوية الفحم المشتعل قبل أن يقذفها في وجهي.. ولم ينس أن يحذرني من أنه إذا رأي وجهي ثانية بجوار القصر.. فلن يرتدع عن إغراقي في البحر.. وبدلا من أن أبيع الذرة على شاطئه سُيلقي بثلاثتنا في الماء كي لا نفترق ولا نترك على شاطيء البحر ما يذكره يوما بمشهدنا الحقير..

ولملمت حاجياتي وتركت المكان مذعورة.. فقد أرعبتني فكرة أن يُلقي بحاوية الفحم في الماء.. فهذا أخر ما تبقى لي من أمي.. التي ذهبت في هدوء شديد.. وعاد هو.. ليس ليدعمني بل ليلقي بي كخادمة أسفل أقدام زوجته الجديدة ويحتلا معا حجرتنا الصغيرة وممرها الطويل.. وكنت أعجب كيف لا يرق قلب أبي لي إزاء معاملة زوجته القاسية معي .. ولماذا لا يأخذني في أحضانه كما يحتضن أخي الصغير.. ألا يعلم بأن لي قلب مكسور.. وفي حاجة إلى من يمسح عليه كي يلتئم جرحه؟

ولم يكن عسيرا أن تطردني زوجة أبي من البيت يوما متعلله بكراهيتي وغيرتي من ابنها المدلل.. ولكنها لم تكن تعلم أن ما أملكه من حب لا يترك مكانا في قلبي لشيء من الكراهية.. وأن هذا أخر ما تبقي لي من تعاليم أمي.. ولم تنس أيضا أن تلقي بحاجيات أمي في وجهي وهي تغلق الباب الخشبي.. ومن خلفه يقف أبي حاملا ابنه المدلل ونظرة قاسية لا تختلف كثيرا عن نظرة ذاك الحارس..

وعدت إلى منزلي الجديد.. قطعة مُهمَلَة في مكان مُهمَل يفترش فيه اللقطاء الأرض للنوم.. والمحظوظ منهم من يجد شيئا ليحتمي به من برودة الطقس في أيام الشتاء القارصة.. ولكنه على الرغم من ذلك كان أكثر رحمة من قلوب باردة لم تسكنها الرحمة يوما.. وحال كوني فتاة وحال كراهية أبي المقيتة للبنات.. نلت أنا هذا المكان المقفر بكل اقتدار.. وفي مُهمَلنا هذا.. يحظى كل منا بمكان محدد بحدود يَنظُمها زعيم المُهمَلِين.. فلا يجرؤ أحد على تخطيها..

وكانت حدودي كافية بأن أضع بجواري حاوية الفحم.. وأن أسند ظهري إلى العراء وأرقب الحدود الفاصلة بين حياة وحياة.. حياة نعمت فيها يوما بكل حب وحنان.. وحياة أحياها اليوم بلا حياة.. فلا تحمل جوانحي شيئا حيا.. سوى حلم مستحيل.. فما زلت أحلم كل يوم بحضن أمي الدافيء ومسحة يدها الحنون.. ولكن كل الحب والحنان قد مات معها.. وحتى أحلامنا العريضة التي كانت يوما.. لم يبق منها سوى أطياف سُحُبٍ في عيون منسية..

الأربعاء، 22 أكتوبر 2008

حنين وسكون

سكون البحيرة الراكدة لا يحتاج سوى...

حجرا واحدا...

بيد أن الصمت الذي يسكن المكان يؤكد إنه...

لم تعد هناك أحجار...

ابتلعها الصمت كما ابتلع الكثير من الأشياء ... فلم يبق سوى ...

غربة وحنين...

غربة ... لم نبرح معها المكان...

وحنين...

إلى صديق... ربما

إلى قلب آخر ... ربما

أو ربما...

إلى مكان بعيد ...

يتشابك فيه داخلنا وخارجنا الأيدي

ويتجولا بصمت في رحاب واسعة...

فنبيت أسرى لتفكير طويل لا ينتهي

أو...

لنظرات عميقة ... ساكنة أحيانا...

وكثيرا تائهة...

ونذوب في النهاية وينتهي كل شيء...

لولا...

حجر جديد...

يكسر سكون البحيرة الراكدة

الجمعة، 3 أكتوبر 2008

نقطـة ومسمــار

لم أعجب لشيء في حياتي قدر عجبي من تلك النقطة
أعشق شروق الشمس وبداية صباح جديد
وأتوقف بلا حراك أمام غروبها الممتزج بالهدوء والرهبة في آن واحد
وما بين الشمال والجنوب أتأمل معترك الحياة
وتنقلها من حال إلى حال في تقدير محكم
وما بين محاور الحياة الأربعة تتردد نظراتي ...
وتلك النقطة أيضا... ففي كل مكان أجدها
فلا هي إلى الجنوب تميل ولا إلى الشمال تسكن
ولا مشرق الشمس يحتويها ولا رهبة الغروب توقفها
لا أدري ما سر ترددها المزعج في كل مكان.
وخشيت يوما أن يكون ما أرى ضربا من الجنون
ويوما أخر خشيت أن يكون سكناها هو عيني
ولكنني خشيت أكثر أن أكون أنا تلك النقطة
خاطر الفكرة أرعبني...
لذا حينما انتصفت طريقها أسرعت بدق مسمارا فوقها
وشعرت براحة غريبة وأنا أراها تستقر أخيرا في مكان
حتى ولو أصبحت على هيئة أخرى ... نقطة ومسمار.

الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2008

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2008

"شرف الرجل هو الكلمة"

معني الكلمه
نقلاً عن مسرحيه الحسين ثأر الله للأستاذ عبدالرحمن الشرقاوي
أتدري ما معنى الكلمه ؟
مفتاح الجنه في كلمه
ودخول النار على كلمه
وقضاء الله هو الكلمه الكلمه
-لو تعرف حرمه - زاداً مزخور ...
الكلمه نور ...
وبعض الكلمات قبور
وبعض الكلمات قلاعاً شامخات يعتصم بها النبل البشري
الكلمه فرقان ما بين نبي وبغي
عيسى ما كان سوى كلمه
أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين
فساروا يهدون العالم
الكلمه زلزت الظالم
الكلمه حصن الحرية
إن الكلمه مسؤولية
إن الرجل هو الكلمه
شرف الرجل هو الكلمه

الاثنين، 1 سبتمبر 2008





كل عام وأنتم بخير

و

رمضان كريم



الأربعاء، 27 أغسطس 2008

لم ينجح أحد

عجبا لخيوط في الحياة...
اجتهدنا مرارا لوصلهاوكلما وصلناها...
تمزقت...
تذكرني دوما بمقولة واحدة:
"لم ينجح أحد"।

الاثنين، 18 أغسطس 2008

لقـــــاء


(قصة قصيرة)

للمرة العاشرة تحملق في البرقية الموضوعة أمامها... تقرأ كلماتها بهدوء ثم تضعها ثانية فوق المنضدة وتلتفت إلى المرأة... تتأمل ملامحها التي تعرفها جيدا... تمسك خصلات شعرها البيضاء المتربعة في مقدمة رأسها وتحاول اخفائها بأخرى سوداء... ولكن الزمن ينتصر في النهاية ...
كانت تتمنى أن تكون اليوم بذات ملامحها في العشرين حين التقته لأول مرة... كان اللقاء عابرا وسريعا ... وكانت أكثر فتيات الحي جمالا وهدوءا... أما هو فكان جذابا... مظهره الجاد وحلته الرسمية جعلا دوما منه حلما لكثير من الفتيات।

انتهى كل شيء سريعا كما بدأ سريعا... صرامة والدها أو تعجله هو الأمور... لا تدري أيهما السبب الحقيقي في هدم كل شيء... عادت تنظر للبرقية من جديد ... لا تختلف كثيرا عن برقيته الأخيرة التي أنهت كل شيء منذ عشرين عاما... وعلى الرغم من هذا ... كانت تدرك أنه سيعود يوما ... ويفصح عن كل شيء... ستلومه قليلا ولكنها ستسامحه... هي بالفعل سامحته... ولكن كيف سيكون اللقاء؟ هل تغير كثيرا؟ هل هزمته الوحدة مثلها؟ منذ أمد بعيد انقطع الاتصال بينهما... ولكنه عاد ... تلك البرقية المذيلة بتوقيعه تؤكد لها ذلك وتخبرها بموعد اللقاء والمكان... ولكنها لم تذكر السبب...

عادت مرة أخرى إلى تصفيف شعرها... وتأمل ملامحها من جديد... هناك بعض التجاعيد ولكنها لا تقلل من جمالها... فلنقل فقط إنه قد توارى خلف ستارة شفافة قد تخفيه بعض الشيء ولكنه مازال موجودا... مازالت الخصلات البيضاء ترفض أن تتوارى خلف السوداء ... كان من الأفضل لها أن تصبغ شعرها ولكنها لم ترغب أن يدرك أنها تكسر الواقع من أجله... هو من كان من المفترض أن يفعل يوما من أجلها ... مازالت تذكر جيدا برقيته الأخيرة... كلمتان فقط هو ما وجدهما ليهديهما لها:
" أسف، سأرحل".

لا تتفق سعادتها اليوم للقائه وما سببه لها من ألم اعتصرها لسنوات... ولكن قلبها ينبض اليوم كما كان ينبض منذ عشرين عاما... الأشياء تلونت من جديد... عاد لها بريقها... وعاد للحياة بهجتها التي افتقدتها بعد رحيله... اليوم فقط عادت الحياة للحياة... فلتكن التجاعيد ولتكن الخصلات البيضاء فليكن كل شيء كما هو... كل هذا لايهم... المهم الآن إنه هنا... أفاقت من شرودها... وتنبهت أنه لم يبق سوى ساعة ونصف وأكثر ما تكرهه هو وصولها متأخرة عن موعدها.

في التاكسي كانت مطمئنة لأنها ستصل قبل الموعد بعشرين دقيقة... كل هذا جميل ولكن كيف يبدو الآن؟ هل ما زال بنفس هيئته الجادة؟ هل اعتلى الشيب شعره أم أن الحياة كانت أكثر كرما معه؟ من سيبدأ الحديث؟ وكيف له بعنواني؟ أخرجت البرقية من حقيبتها لتقرأها ثانية... وتطمئن أن الاسم هو نفس الاسم... ولكن ماذا لو كان تشابه أسماء... هزت رأسها لتنفض الفكرة عن ذهنها... لا... لا يمكن أن يكون... أبعد عشرون عاما يأتي تشابه الأسماء ليقتلني هو الآخر...لا لن يكون... أفاقت على صوت سائق التاكسي وهو يخبرها بأنهما قد وصلا إلى العنوان.

المكان أنيق... اختارت طاولة في آخر المكان... وراقها هذا فلم يكن في القرب أحد ... هذا أفضل ليتحدثا بهدوء وحرية... في السادسة تماما أتى هو... نفس الجدية والجاذبية... لم يغير الزمن منه كثيرا باستثناء بعض الشيب فوق جبهته اليمنى... ترى هل سيعرفني كما عرفته؟ وكيف له أن ينساني وأنا لم أنسه يوما... كنت أنتظره كل يوم... رفضت كل من تقدم لي وقررت أن أنتظره حتى يعود... هكذا حدثت نفسها ... ولكنها تعجبت حين رأته يختار منضدة أخرى...وإن كانت قريبة منها..
إذن هو لم يعرفني... هل تغيرت ملامحي إلى هذا الحد... لدقائق شعرت بالضيق وتوقف عقلها عن التفكير... هل نسي فعلا ملامحي... معه حق... لقد تغيرت وبدا على الكبر... معذور كيف له أن يعرفني بهذه الهيئة الجديدة...دار كل هذا بذهنها فقررت أن تقطع الشك باليقين... أمسكت بحقيبتها وتوجهت حيث يجلس... ودار بينهما حوارا هادئا:
- مساء الخير
- مساء الخير سيدتي
- ألا تعرفني؟
على الرغم من دهشته لمباغتتها إياه ولكنه ولثوان حاول التدقيق في ملامحها وأجاب وهو يوميء براسه نافيا:
- معذرة سيدتي، كثيرات هن من أتعامل معهن قد أكون أعرفك ولكن للأسف الذاكرة لم تعد تحتفظ بالكثير من التفاصيل الجميلة.
أدركت المجاملة... ابتلعت حسرتها وقررت أن تكمل للنهاية فأستأذنته في الجلوس... وافق على استحياء وشعرت بارتباكه وكأنما يخشى أن تأتي هي وتجده مع أمرأة أخرى...طمأنها هذا التفسير بعض الشيء فأخرجت البرقية من حقيبتها وأعطتها إياه... وما أن رأها حتى بدا عليه الارتياح وقال مبتسما:
- كيف لم أعرفك؟ لعل منظار الشمس هذا هو السبب... يخفي كثير من ملامح الوجه كما تعلمين... آسف على هذا... كيف الحال؟
شعرت بارتياح عميق وبفرحة جاهدت ألا تبدو على وجهها... لقد عرفها لم يكن حلما إذن أو تشابه أسماء... شعرت أن قلبها يولد من جديد... وأن اللحظات الآتية تحمل لها من السعادة ما يمحو مرارة الماضي... وعلى الرغم منها جاء ردها متلعثما:
- بخير... كيف حالك أنت؟
- بخير الحمد لله... لم تتغيري منذ أخر مرة رأيتك فيها... يبدو أن الزمن لاينطلق بك للأمام وإنما للخلف...
ابتسمت لمجاملته ولم تدر بما تجيب... لديها الكثير والكثير لتقوله ولكن اختفت كل الكلمات... ساد الصمت لدقائق... فأكمل هو قائلا:
- لن أضيع وقتك سأحدثك مباشرة في الموضوع ... تعلمين أنني عشت حياتي كلها مغتربا وأنا الآن في حاجة ماسة لمربية لأحفادي بالبلدة التي أنا فيها وحقا لا أريد سوى مربية مصرية فأنا أريد لأحفادي أن يكونوا مصريين من الصميم ... لا أريدهم خليطا لا أعرف له كنهه ولثقتي فيكِ أريد منك أن ترشحي لي وعلى وجه السرعة فتاة تستطيع القيام بهذا الدور وأعلم أنك قادرة على ذلك مدام ميرفين.
- ألجمتها المفاجأة ... لم تُجب بشيء... عقلها تحرك بسرعة ليستوضح الأحداث... إذن فهو كان يريد مدام ميرفين وليس نرمين...كان يريد أستاذة الأدب والسلوك التربوي للطفل كثيرا ما تأتي خطابتها لي والعكس...
- مدام ميرفين لمَ لا تجيبي؟
- خلعت نظارتها وأجابته بإحباط: لأنني لست ميرفين... وصلتني البرقية بالخطأ... د। ميرڤين تقطن في شارع قريب مني يحمل نفس رقم شارعي 209 ولكن يزيد عليه كلمة متكرر... يبدو أن رجل البريد أخطأ مجددا في العنوان ... واسمي لا يختلف كثيرا عن ميرفين...
لبرهة ألجمته المفاجأة ولكنه ابتسم مجددا وقال:
- اوه... ياله من موقف... معذرة سيدتي على ازعاجك ... إنه رجل البريد... ولكني سعدت حتما بلقائك مدام (... ) معذرة لم أتشرف بالاسم...
- علا وجهها ابتسامة باهتة وهي تقول: لا تشغل بالك سيدي لن يفيد هذا في شيء... حقا ياله من موقف...
غادرت المكان وهي لا تصدق... حتى اسمها لم يعرفه... بعد قليل كان هناك الكثير من قطع الزجاج الصغيرة تغطي أرضية غرفتها وكذا حطام لبرواز أنيق وقصاصات ممزقة لصورة لا تختلف ملامحها كثيرا عن ملامح ذاك الرجل।

الخميس، 14 أغسطس 2008

من أنت؟

الكلمة... رصاصة

الكلمة... أمــانة

الكلمة... سيف لك... أو عليك

الكلمة... أنت...

فأي الأشخاص أنت؟

ظـل إنســـان

أريد أن أمحو كل كلماتي...
أن أشطب كل سطوري...
أن أمزق كل صفحاتي...
أن أنسف كل ما يذكرني بأنني لم أكن يوما سوى ...
ظــل إنسان...

وأين تحب الحياة؟

أحب الحياة في قلوب غضة نقية
قلوب يملأها الحب وينيرها الأمل
قلوب تعشق الصحبة وتؤمن أن الحياة حق للجميع
قلوب تسعد بفرح الآخريين
أحب الحياة في...
عيون ترى كل جميل
وعقول تترفع عن الصغائر
ونفوس يملأها الخير فتملأ الدنيا نورا وأملا في غدٍ أكثر جمالا।
دنياي يا صديقي ... حلم مستحيل المنال
نعم، أعترف دنياي يا صديقي هذيان...
وسطور حالمة أأمل أن يكن لها يوما بواقعنا مكان.

الأحد، 10 أغسطس 2008

شخبطة


رغم كل شيء...

أجدني دوما هناك ...



أملأ عينيي بأمواج البحر...



أترك نسماته تداعب شعري بحرية...



أفتح ذراعي...



أغمض عينيي ...



وأحتضن الحياة...



الخميس، 7 أغسطس 2008

بعيدا...

فوق تلك القمة العالية جلست وحدي أتأمل كل أحلامي التي نسجتها يوما وانهارت ...لم ينجو أي حلم منهم...ولكنني على الرغم من ذلك...كنت أحتفظ بابتسامة خفية في أعماقيسرقتها عنوة من الأيام حينما رفضت أن أظل يوما بجوار أحلامي الضائعةفأنظر من القاع حولي فلا أجد سوى ظلاما دامسا لا يراه من يجلس فوق قمم تلك الجبال من حولي।

الجمعة، 1 أغسطس 2008

قصة حياة


تبدأ حياة هذا الخط باللون الأبيض
مع مرور الوقت تعتريه بعض النقاط السوداء
تدريجيا تقل المساحات البيضاء وتزداد النقاط السوداء...
وفي النهاية... يتبدل كل شيء...

ويتحول الخط الأبيض إلى خط أسود تسكنه بعض النقاط البيضاء
قصة قصيرة جدا لحياة إنسان.
_________________________________________
الرسم بريشتي الخاصة... أنتظر تعليقاتكم ورؤيتكم الخاصة لهذا المشهد.

الأربعاء، 30 يوليو 2008

علامة استفهام ؟

هناك أمور في الواقع باتت غريبة ...
فهي لا تميل إلى المنطق ولا تميل إلى البطلان ...
تقف في منتصف الطريق ما بين هذا وذاك بشكل محايد وغريب ومستفز أيضا في ذات الوقت
المشكلة أن تلك الأمور باتت تملأ حياتنا وبشكل جعل كثير من الأشياء مختلطة غير محددة المعالم لنتمكن في النهاية أن نقرر: أيهما الصواب؟!!!
باختصار: باتت أخطاء الماضي هي منطق اليوم، ومنطق الأمس هو جنون اليوم...
أين الصواب وأين الخطأ؟
علامات استفهام عريضة... لا أجد لكثير منها إجابة।

الأحد، 27 يوليو 2008

أجمل سطور الحياة



الفرحة

وحق لك أن تفرح...


افرح بكل قوتك


افرح بصدق


افرح حتى تصرخ من الفرحة


افرح حتى تشعر بأنك قد احتويت العالم بأسره


افرح حتى تملأ الفرحة كل وجدانك


افرح بقوة... فمن حقك أن تفرح


افرح ... فمن حق قلبك أن يتنسم نسائم الفرحة


افرح... فمن حق نفسك أن تغسلها الفرحة


افرح ... ففي الفرحة مولود جديد


افرح ففي حياتنا الكثير والكثير لنفرح من أجله


افرح واحمد الله يا صديقي الذي خلق لنا الفرحة لنرى الدنيا أكثر جمالا


افرح يا صديقي...فللفرحة ألوان


للفرحة أكثر من عنوان


للفرحة شركاء وبالفرحة كل جميل


لمَ نعطي للحزن أكثر من وقته فيسرق منا أكثر من حقه؟


لمَ نختصر الفرحة إلى لحظات؟


عش الفرحة بكل جمالها وتمتع بكل تفاصيلها


ومن حقك أن تفعل ... يا صديقي


افرح وارقص فرحا


افرح لفرحك


افرح لغيرك


افرح لينشد قلبك أنشودة الفرح الصافية ।


افرح فالدنيا تكتمل جمالا بفرحتك الندية


افرح فالفرحة في عينيك تأسر وجداني


افرح فلقد اشتقت لضحكاتك العذبة


افرح ففرحتك تسطر أجمل سطور الحياة।

الخميس، 24 يوليو 2008

على هامش الحياة

بداخلنا مشاعر جميلة وقوية وهذا منطقي...
نعطيها لمن لا يستحقها وهذا غير منطقي...
نعطيها بحب... ونحن نعلم أن الطرف الآخر لا يستحق।
نعطيها دون أن ننتظر منهم أي مقابل...
نعطيها ونكتفي بالسعادة التي ترقص فرحا على وجوههم،
على إنهم لم يكن ليعنيهم يوما أن يروا نفس الفرحة بأعيننا
فنحن سطر مهمل خارج سطور حياتهم...
لا وجود له ولن يكون..
نُعطي ونعلم جيدا أنها لن تُثمر يوما في الجانب الآخر أية زهور لنا
نُعطي ونحن على يقين بأن ما سينبت ليس ملكنا، بل هو لغيرنا.
انتبه يا صديقي فأنت تبني أصناما لا مشاعر لها ولا وجدان
تسطر سطورك بحب لمن لا يستحق
تسطرها لأناس يجب أن يكونوا على هامش الحياة।
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأربعاء، 23 يوليو 2008

الســــراب

منذ أن تركتموني وحدي وأنا هنا بنفس المكان...

أمكث حيث تركتموني...

أرقب الطريق لعلكم تعودون يوما...

أشعر بأنني جزءا متجمدا في مشهد بات أكثر جمودا...

البرد يغلفه ويكسر بداخلي كل حدود الأمان...

وأخاف أن أبرح مكاني...

أن أتجاوز الخط الأبيض المرسوم أسفل قدمي...

فأخطو خطوات أخرى إلى مجهول آخر...

وأجدني أجلس كما أنا لساعات وساعات أرقب عودتكم...

مع أنكم لم تأتوا يوما لتعودوا...


فنجان قهوة

في كل صباح...
في ذات الوقت الذي كان يجمعنا سويا...
أذهب إلى طاولتنا...
يضع النادل فنجانا القهوة... واحدٌ لك والآخر لي...
أرقب فنجانك ومقعدك الخالي وأبتسم... أنت هنا على الرغم من كل شيء...
أنظر إليك ليكتمل إحساسي بالأمان...
فأمسك بقلمي وأسطر كلماتي بهدوء...
أكتب وأكتب...
عما قليل سأنتهي ... وسأقرأ على مسامعك سطور روايتي الجديدة...
لا تندهش إن وجدت قسماتك تنتزع ملامحها...
فمازلت أسيرة عالمك الخاص...
وعالمك وحده يكفيني...
أكتب وأكتب ...
ومن حين لآخر يأتي النادل فيأخذ فنجاني الفارغ ويضع فنجانا آخر...
أرتشف قهوتي وأرقب فنجان قهوتك الوحيد... أتأمل مقعدك ...
فأراك في ذات المكان ... تسكنه...
تتحدث معي كما كنت دوما...
أرمق ملامحك وردود أفعالك على ما كتبت...
فأمسك بقلمي ثانية وأكتب ...
أكتب عنك ... أرسم ملامحك التي تسكن وجداني...
أُنهي روايتي وأذيلها بتعليق وحيد:
"وجودك لم يطمسه يوما رحيلك..."।

الاثنين، 21 يوليو 2008

غرباء في نفسي

كثيرا ما أشعر بأن أعماقي تسكنها شخوصا غيري ... لا أدري أهم على حق... أم أنهم جاءوا في أوقات لا تحمل لهم مكانا؟ أم أنني من بات يعشق الغربة فاغترب عن نفسه وترك داخله وحيدا شاردا... فانسلخ عنه وبات سكنى للأغراب.
بداخلي طفل صغير يريد أن ينطلق...وشابا يحب أن يركض على شاطيء البحر حتى يسقط من التعب... يقفز ويصرح ويضحك عاليا... يفعل كل ما يريد... فما الجرم أن أحيا الحياة كما أحب وبدون خطأ؟! وماذا لو تركته ينطلق؟ حقا ما الذي سيفعله ذاك الطفل الصغير إن تركت له العنان؟ قطعا سأبني قصرا عاليا من الرمال وأحضر جاروفا ودلوا صغيرا لأملأ به حفرة صغيرة بالمياه فأصنع بحيرة صغيرة للقصر ولكنها جميلة... لن أبن أسوارا عالية حول القصر... ولكني سأزرع بدلا منها أزهارا... نعم فأنا أعشق الأزهار ورقتها التي تذوب خجلا خلف ألوانها المبهجة...
وبعدما أنتهي سأركض من أول الشاطيء حتى تلك الصخرة البعيدة وأجلس أنا والبحر وحدنا أتأمل أمواجه وأنصت لصوته بلا حراك وأترك الهواء يجتاحني وينفض أعماقي بقوة حتى أشعر بأنني قد اغتسلت من داخلي... فأتمدد فوق الشاطيء بلا حراك لتجمعنا سويا لوحة صغيرة لا يسكنها سوى أنا والبحر والسماء... وعندما أعود إلى الجامعة سأجرب شيئا مجنونا...سأسير فوق سور كوبري الجامعة كمن يسيرون فوق حبال رفيعة في السيرك ولكنني لن أمسك بعصا كتلك التي يمسكها من يسير فوق حبال السيرك الرفيعة كي يحفظ توازنه... لا أريد عصا كي أحفظ توازني... تكفيني فقط الحرية... والجرأة ।
نعم هذا كل ما أحتاجه لأتعامل مع مديري في العمل... لو كنت أعلم شيئا عن ديكتاتوريته الخانقة وصوته الجهوري الذي يخترق أذاننا إلى الميادين والشوارع المجاورة...... لمزقت الجريدة التي أعلنت يوما عن وظائف شاغرة بشركته... وكنت يومها أحد المهرولين إلى معقل صوته الرهيب هذا।
حقا بات حلمي الوحيد في مكتبي هذا أن أشرب يوما فنجان الشاي في هدوء... لا يتخلله سوى أنغام الموسيقى الهادئة... ولكن أحلامي قطعها بغتة دوي مفزع فانتفضت على أثره لأجد أمامي مديري ولم يكن صعبا أن أدرك أن ذاك الدوي لم يكن سوى صوت قبضته وهي ترتطم بسطح مكتبي... وأدركت وهو يطيل النظر لي أن بوادر الشر قادمة ... وتحقق حدسي وهو يسألني بصوته العذب والمعتاد:
- أين التقرير الذي حدثتك عنه في الصباح؟نظرت إلى أوراقي وقد أغرقها فنجان الشاي الذي سكبته قبضته وهي ترتطم بمكتبي ليغرق معها جهد أسبوع بأكمله।فنظرت له في غيظ، وتذكرت أحلامي التي صرعها صوته الجهوري، فأرتديت سترتي... وقلت له قبل أن أصفق باب مكتبي خلفي بعنف:
- التقرير في الفنجان.

السبت، 12 يوليو 2008

مهلبية بالملح


لا شيء يُدهشني الآن سوى هؤلاء الجالسين من حولي.
الحفل كبير والموائد ممتدة في كل مكان... وما زلت لا أدري سر هذا النهم الشديد بأطباق المهلبية تلك؟
لم أستطع إكمال ملعقة واحدة، بينما الجميع منهمكون في التهام أطباق المهلبية المالحة...
الغريب أن أعينهم وملابسهم وأنفاسهم امتزجت هي أيضا بالملح...
حتى موائد الطعام المتراص فوقها الأطباق امتزج خشبها بالملح.
المطر نفسه المتساقط خلف النافذة كان أبيض اللون ملحي الكينونة.

ارتديت معطفي ... قطرات المطر المتساقطة فوق مظلتي تعلن أن المطر قد قارب على الانتهاء
أما السحب فقد بدأت تتنحى بهدوء لتفسح للشمس طريقا...
نظرت إليها فوجدت صفرتها ممتزجة هي أيضا بالملح...
حتى الأشجار على جانبي الطريق كساها الملح باللون الأبيض وكأنه ثلج الشتاء...
كل شيء امتزج هنا أيضا بالملح.. إشارات المرور أصبحت ثلاثتها باللون الأبيض...
أراهن أن جميعها بطعم الملح...

دققت جرس الباب ... طمئني ملمسه أن كل شيء بالداخل ما زال على حاله ولم يلمسه الملح بعد...
لكن زوجتي نفسها امتزجت هي الأخرى بالملح... رأيته في عينيها وخصلات شعرها المتطاير.
السجاد بكل رسوماته وألوانه امتزج بالملح... الجدران ابتلعها الملح أيضا...
هرولت خارج المنزل مسرعا... هذا ليس منزلي وليس هذا طريقي حتى تلك الأشجار لا أعرفها.
عدت إلى الحفل فوجدت أصدقائي ما زالوا منهمكين في تناول المهلبية بالملح...
ما زالت السعادة تغمر وجوههم...
وما زال كل شيء يمتزج بالملح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ