الاثنين، 21 يوليو 2008

غرباء في نفسي

كثيرا ما أشعر بأن أعماقي تسكنها شخوصا غيري ... لا أدري أهم على حق... أم أنهم جاءوا في أوقات لا تحمل لهم مكانا؟ أم أنني من بات يعشق الغربة فاغترب عن نفسه وترك داخله وحيدا شاردا... فانسلخ عنه وبات سكنى للأغراب.
بداخلي طفل صغير يريد أن ينطلق...وشابا يحب أن يركض على شاطيء البحر حتى يسقط من التعب... يقفز ويصرح ويضحك عاليا... يفعل كل ما يريد... فما الجرم أن أحيا الحياة كما أحب وبدون خطأ؟! وماذا لو تركته ينطلق؟ حقا ما الذي سيفعله ذاك الطفل الصغير إن تركت له العنان؟ قطعا سأبني قصرا عاليا من الرمال وأحضر جاروفا ودلوا صغيرا لأملأ به حفرة صغيرة بالمياه فأصنع بحيرة صغيرة للقصر ولكنها جميلة... لن أبن أسوارا عالية حول القصر... ولكني سأزرع بدلا منها أزهارا... نعم فأنا أعشق الأزهار ورقتها التي تذوب خجلا خلف ألوانها المبهجة...
وبعدما أنتهي سأركض من أول الشاطيء حتى تلك الصخرة البعيدة وأجلس أنا والبحر وحدنا أتأمل أمواجه وأنصت لصوته بلا حراك وأترك الهواء يجتاحني وينفض أعماقي بقوة حتى أشعر بأنني قد اغتسلت من داخلي... فأتمدد فوق الشاطيء بلا حراك لتجمعنا سويا لوحة صغيرة لا يسكنها سوى أنا والبحر والسماء... وعندما أعود إلى الجامعة سأجرب شيئا مجنونا...سأسير فوق سور كوبري الجامعة كمن يسيرون فوق حبال رفيعة في السيرك ولكنني لن أمسك بعصا كتلك التي يمسكها من يسير فوق حبال السيرك الرفيعة كي يحفظ توازنه... لا أريد عصا كي أحفظ توازني... تكفيني فقط الحرية... والجرأة ।
نعم هذا كل ما أحتاجه لأتعامل مع مديري في العمل... لو كنت أعلم شيئا عن ديكتاتوريته الخانقة وصوته الجهوري الذي يخترق أذاننا إلى الميادين والشوارع المجاورة...... لمزقت الجريدة التي أعلنت يوما عن وظائف شاغرة بشركته... وكنت يومها أحد المهرولين إلى معقل صوته الرهيب هذا।
حقا بات حلمي الوحيد في مكتبي هذا أن أشرب يوما فنجان الشاي في هدوء... لا يتخلله سوى أنغام الموسيقى الهادئة... ولكن أحلامي قطعها بغتة دوي مفزع فانتفضت على أثره لأجد أمامي مديري ولم يكن صعبا أن أدرك أن ذاك الدوي لم يكن سوى صوت قبضته وهي ترتطم بسطح مكتبي... وأدركت وهو يطيل النظر لي أن بوادر الشر قادمة ... وتحقق حدسي وهو يسألني بصوته العذب والمعتاد:
- أين التقرير الذي حدثتك عنه في الصباح؟نظرت إلى أوراقي وقد أغرقها فنجان الشاي الذي سكبته قبضته وهي ترتطم بمكتبي ليغرق معها جهد أسبوع بأكمله।فنظرت له في غيظ، وتذكرت أحلامي التي صرعها صوته الجهوري، فأرتديت سترتي... وقلت له قبل أن أصفق باب مكتبي خلفي بعنف:
- التقرير في الفنجان.

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

طالما أحسست أن هناك غرباء في نفسي والله يا شيرين أنت تعبرين عما يدور بذاخلي من فترة طويلة.. لكنك قد وجدت التعبير الدقيق لذلك الاحساس الذي لم أكن أعرف له اسما...برافو

gamalzin يقول...

تحياتى شيرين ..
كما كتبت من قبل بانك تحملين نفس غنية بالمشاعر الانسانية العظيمة والجميلة دائما ..
مشاعر تأخذنا الى عالممك الرحب من خلال مفردات ( الغربة .. الطفل.. الشاب .. الحرية .. الرمال.. الازهار ..العمل ...)
وجدنا هذا الجمع فى عالمك الذى يدفعنا الى التأمل والى كل ما هو رائع ..

شكرا يا شيرين

كل الاحترام والتقدير لما تسطرين من مشاعر جميلة هى دائما رائعة تصل الينا لتسعدنا جميعا ..